قضية الصحراء المغربية تعترض طريق “قرابين السياسة” في العلاقات الدولية

قال الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إن “كل الشراكات الاقتصادية والتجارية، وكل التحالفات السياسية والاستراتيجية والأمنية، تتأثر سلبا أو إيجابا بملف الوحدة الترابية وبمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية المغربية، بمعنى آخر إما معنا أو ضدنا وليس هناك طريق ثالث، وأن مصالح المغرب ليست قُربانا سياسيًا في مجال العلاقات الدولية”.

وأضاف بوصوف، في مقال له بعنوان “الصحراء المغربية ليست قُربانًا سياسيا، والجالية الوطنية المغربية فخر المغرب والمغاربة”، أن “خطاب 20 غشت أصبح وثيقة مرجعية لكل مغاربة العالم يغرف منها الحقوقي والأكاديمي والإعلامي والجمعوي، وثيقة تاريخية مؤَسِّسة لعلاقات جديدة عمودية وأفقية تحدد وظائف واختصاصات كل المؤسسات المكلفة بشؤون مغاربة العالم”.

وفي حديثه عن الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أشار بوصوف إلى أن “النسيج الجمعوي لمغاربة العالم، ومعهم مئات الآلاف من اليهود المغاربة، راكم تجارب مهمة في الدول الغربية. كما نسجوا صداقات قوية مع منظمات وهيئات حقوقية وسياسية واجتماعية، بل تبوأ البعض منهم مراكز القيادة، سواء داخل منظمات حقوقية أو بيئية أو حزبية، أو في مراكز البحث العلمي والمختبرات الطبية والأكاديميات والجامعات العالمية”.

هذا نص المقال:

ليس سِرا أن كل الخطابات والرسائل الملكية لها قـوة قانونية وتشريعية وسياسية ودينية وتاريخية قـوية تستمدها من الاختصاصات الدستورية للمؤسسة الملكية، حسب الفصلين 41 و42 من الدستور، ومن الأعراف الملكية العريقة للمملكة المغربية. كما أنه ليس سـرا أن الاهتمام الكبير بخطاب الثورة لسنة 2022 له ما يبرره، سواء على المستوى الخارجي وتأكيده على أن ملف الصحراء المغربية هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التفاوض حوله، وأن كل الشراكات الاقتصادية والتجارية، وكل التحالفات السياسية والاستراتيجية والأمنية، تتأثر سلبا أو إيجابا بملف الوحدة الترابية وبمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية المغربية، بمعنى آخر إما معنا أو ضدنا وليس هناك طريق ثالث، وأن مصالح المغرب ليست قُـربانـا سياسيًا في مجال العلاقات الدولية.

كما أن الاهتمام له ما يبرره على المستوى الداخلي، إذ تعودنا في كل خطابات “كبير العائلة” أن يحيطنا علما بمجريات ملف الصحراء المغربية وبكل الملفات الكبرى التي لها علاقة بالوطن والمواطن.

لكن في خطاب ثورة سنة 2022 كانت وقفة خاصة للإشادة بمجهودات فئة عزيزة من الشعب المغربي تقدر بخمسة ملايين من مغاربة العالم ومئات الآلاف من اليهود المغاربة.. وهي مجهودات تعبر عن تعلق غير عادي بالمقدسات الدستورية وبالوحدة الترابية انطلاقا من بلدان الإقامة ومن ساحاتها العمومية ومن مراكزهم الوظيفية والاجتماعية المختلفة. فحتى المهاجر العاطل عن العمل كان يقف في ساحات باريس وبرشلونة وروما وواشنطن وغيرها مدافعًا عن مغربية الصحراء وعن صورة المغرب، حاملا صورة جلالة الملك وأعلام الوطن.

لقد أصبح خطاب ثورة 2022 وثيقة مرجعية لكل مغاربة العالم يغرف منها الحقوقي والأكاديمي والإعلامي والجمعوي، وثيقة تاريخية مؤَسِسة لعلاقات جديدة عمودية وأفــقية تحدد وظائف واختصاصات كل المؤسسات المكلفة بشؤون مغاربة العالم.

وبما أن المناسبة شرط، فإن فضيلة الإنصاف وثقافة الاعتراف تلزمنا بالتذكير بمجهودات وبحيوية ودينامية الفعاليات الجمعوية بالخارج، إذ لا يستطيع أي أحد إنكـار مجهودات أفراد المجتمع المدني بالمهجر في مجال تأطير الجالية من الناحية الدينية، حيث عملوا على خلق فضاءات العبادة، سواء مساجد أو صالات للعبادة، وساهموا بتبرعاتهم، كما ساهمت المرأة المغربية المهاجرة بحليها ومجوهراتها، من أجل بناء مسجد يذكر فيه اسم الله، ويكون مركزا لتعليم اللغة العربية.

ومن الناحية الثقافية والاجتماعية، شكلوا صمام أمان لنقل تقاليد الثقافة المغربية في الأعراس والمآتم وحُسن الجوار واحترام اختلاف الآخر. ومن الناحية الوطنية وتربية الأجيال على حب الوطن الأم والدفاع عن المقدسات الوطنية والوقوف في وجه أعداء الوحدة الترابية.

لقد راكم النسيج الجمعوي لمغاربة العالم، ومعهم مئات الآلاف من اليهود المغاربة، تجارب مهمة في الدول الغربية. كما نسجوا صداقات قوية مع منظمات وهيئات حقوقية وسياسية واجتماعية، بل تبوأ البعض منهم مراكز القيادة، سواءً داخل منظمات حقوقية أو بيئية أو حزبية أو في مراكز البحث العلمي والمختبرات الطبية والأكاديميات والجامعات العالمية.

وهو ما يجعلنا أمام رأسمال كبير من الخبرة العلمية وبنك معلومات متنوع كاف لتدبير العديد من الملفات الثقافية والدينية والحقوقية والاجتماعية الخاصة بالجالية، وفي مقدمتها الحفاظ على وشائج الهوية المغربية. أكثر من هذا، فإن جرد كل هذه التراكمات الإنسانية الإيجابية تضعنا في مرمى النقاش الخاص بالسياسات العمومية الموجهة لمغاربة العالم ونموذج الحكامة ـ تضعنا ـ أمام ضرورة الاستفادة من تراكم فعاليات النسيج المدني لمغاربة العالم، سواء في النقاش الحالي الخاص برسم سياسة عمومية جديدة مندمجة ومتكاملة بإمكانها الإجابة عن انتظارات مغاربة العالم، أو في مسلسل تحديث وتأهيل مؤسسات الهجرة حتى تكون فعالة وناجعة.

إن خطاب ثورة 2022 فتح باب النقاش حول إشكالات مهمة تتعلق بالسياسات العمومية لقضايا مغاربة العالم ونموذج الحكامة. وهو ما يستوجب استحضار الدور الكبير للفاعل الاجتماعي إلى جانب الفاعل المؤسساتي في صناعة وتنفيذ ومراقبة السياسات العمومية. وهو ما سيفتح باب المساهمة الجادة لفعاليات المجتمع المدني لمغاربة العالم المشهود لها بأعمال التأطير الاجتماعي والديني والثقافي، والوقوف في وجه أعداء الوطن في بلدان الاستقبال والدفاع عن صورة المغرب بالخارج.. لأنه لا يمكن الحديث عن سياسات عمومية لقضايا مغاربة العالم بدون مساهمات وسائط اجتماعية وفعاليات جمعوية وطنية لمغاربة العالم، وفي ذلك تطبيق لمضمون الخطاب الملكي بقوله إن المغرب يحتاج لكل أبنائه ولكل الخبرات والكفاءات المقيمة بالخارج من جهة، كما أنه يشكل نوعا من العرفان للجيل الأول من المهاجرين، الذي حافظ على الموروث الثقافي والاجتماعي، وعلى الثقافة المغربية، والممارسة الدينية الوسطية المالكية البعيدة عن الفكر المتطرف والتعصب الديني، وتوارثـته الأجيال الجديدة، وقوى الروابط الإنسانية ورسخ الاعتزاز بالانتماء للمغرب، رغم كل الإكراهات والإغراءات في دول الغرب، لذلك استحق مغاربة العالم “مرتبة خاصة” لدى جلالة الملك محمد السادس.

#قضية #الصحراء #المغربية #تعترض #طريق #قرابين #السياسة #في #العلاقات #الدولية

زر الذهاب إلى الأعلى