من المسؤول عن وفاة “نورة”؟

من المسؤول عن وفاة

الصادق بنعلالالإثنين 1 ماي 2023 – 17:04

إذا كانت الرياضة المغربية وكرة القدم على وجه التحديد قد شهدت بعض التحسن إثر عديد النتائج المعتبرة والألقاب المحترمة، التي كانت من نصيب فرق ومنتخبات وطنية في تظاهرات قارية وعالمية، أبرزها الأداء المميز الذي بصم عليه المنتخب الأول في مونديال قطر 2020، فضلا عن العناية بإقامة بنيات تحتية مختلفة وهامة، فإن الإنجاز الكروي الوطني يجد نفسه غارقا في وحل التسيب والعشوائية والفوضى، مما يضرب ثمراته بعرض الحائط، ويعرضه للانتقاد والشجب وطنيا ودوليا. إن المقابلة الكروية ليست مجرد لقاء رياضي، أمام جماهير غفيرة تملأ جنبات الملعب وتساند بحرارة، وتبدع في عرض لوحات جميلة، وتردد أهازيج وأغاني حماسية فقط، بل إنها أيضا فرجة ممتعة حضارية مسالمة، ينشد عبرها عشاق الكرة المستديرة قدرا من الترفيه عن النفس، بعد أسبوع من العمل والانغماس في مشاغل الدنيا وما أكثرها. لكن المقابلات الكروية المغربية أضحت مرتبطة بالمآسي والآلام والحوادث المفجعة تنسينا كل لحظات الفرح الخاطفة، ولعل الحدث الجلل الذي قض مضجع المواطنين المغاربة المحبين حقا لبلدهم، المتمثل في موت مشجعة رجاوية في سياق تنظيم بئيس، وهي تستعد لدخول الملعب لمؤازرة ناديها المفضل، يذكرنا بأحداث درامية أخرى عرفتها مدن كثيرة، ولم نعثر بعد عن حل نهائي كفيل بوضع حد لظاهرة شغب وعنف الملاعب! فمن المسؤول يا ترى عن هذه الكارثة الإنسانية الأخيرة، وقد لا تكون الأخرة؟

ما من شك في أن مثل هذه الوقائع المميتة والعصيبة لا تكون وليدة عامل واحد مهما علا شأنه، وإنما تنتج عن “نسق” أو مجموعة من الأسباب المتشابكة المتداخلة فيما بينها بشكل مريب. وهكذا توجد الشركة المنظمة على رأس المسؤولين المباشرين على موت الشابة نورة رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته، لأن هذه الشركة أبانت في أكثر من مناسبة أنها مقاولة تجارية عديمة الأخلاق والقيم النبيلة، وأنها تبحث عن الربح المادي بمعناه الضيق، ومسؤولو جماعة مدينة الدار البيضاء: ماذا يفعل هؤلاء غير استغلال “وظائفهم” وانتظار رواتبهم السمينة دون تحريك ساكن أو تنبيه الأطراف المعنية “بالأحداث الرياضية” بالقيام بالواجب المنوط بهم؟. وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة التي تظهر فقط من أجل التقاط الصور ورفع الجوائز والمداليات .. لكنها جسد شبه جامد لا يقوى على تقديم مبادرة أو تدبير جاد ومسؤول، من شأنه أن يدفع أنشطتنا الرياضية نحو الأفضل. الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الذي يطغى عليها الطابع الرسمي التقليدي الفوقي، البعيد عن الواقع الرياضي الكروي الملموس.

وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة الصادرة عن الأمن المغربي، إلا أن فئة قليلة منه قد تكون مقصرة في التعاطي مع موضوع ولوج الجماهير إلى المدرجات وخروجها منه، و”التساهل مع أفراد” لا يتوفرون على التذكرة القانونية لدخول الملعب. جانب من الجمهور الذي يميل إلى العنف والتخريب والإجرام، وهو بالمناسبة أضحى جزءا لا يتجزأ من “الفصائل الرياضية” للفرق المغربية. السماح بدخول القاصرين إلى المدرجات بكل ما يحمل هذا الفعل غير المسؤول من تهديد لحياتهم وحياة الآخرين، بسبب غياب النضج والوعي والإحساس بالمسؤولية والاستعداد لارتكاب مخالفات قد تكون مرعبة. السماح بالتنقل الجماعي غير المقبول من مدينة إلى أخرى، مما قد يفضي إلى احتكاكات وصدامات رمزية ومادية مكلفة. وأخيرا تخلي الإعلام أو الجسم الصحفي الوطني عن دوره التثقيفي والتنويري البناء، واقتصاره على المناقشات الجانبية، والتحليل “التقني” لنتائج المباريات بكيفية نمطية كلاسيكية عديمة الجدوى، ما قيمة برامج رياضية تلفزيونية أو إذاعية أو في المواقع إلكترونية، إذا لم تخصص وبشكل منتظم مجالا للحديث عن القوانين المنظمة ذات الصلة، وعالم التحكيم ومواصفات الجمهور الراقي، والتأكيد المتواصل على استنبات قيم المحبة والأخوة والتسامح والحفاظ على ممتلكات المركبات الرياضية ونظافتها؟

وبناء على ما سبق لن يتبلور إقلاع سليم ورفيع إلا عبر تكثيف جهود المعنيين بالشأن الرياضي، وإدراك المجتمع السياسي والأمني والمدني، بأن الرياضة ليست إبراز العضلات الفنية و إحرازا للبطولات والألقاب فقط، بقدر ما أنها انتصار للروح الرياضية السامية، وسلوك حضاري سلمي يميل إلى المحبة والحياة، وينأى بنفسه عن الكراهية والموت، وإعمال القانون دون هوادة على المقصرين والفاسدين الكبار قبل الصغار، وربط المسؤولية بالمحاسبة هنا والآن!

الرجاء والأهلي الرياضة المغربية مونديال قطر

#من #المسؤول #عن #وفاة #نورة

زر الذهاب إلى الأعلى