تحليل الاختبار الوطني لمادة الرياضيات

مقدمة

عند زيارتي لأحد مراكز امتحان البكالوريا لهذا الموسم الدراسي بمدينة تمارة اطلعت على آراء بعض تلاميذ العلوم الرياضية، بعد انتهائهم من الاختبار. كان أول ما أكده هؤلاء التلاميذ، منذ البداية، هو طول الامتحان واستحالة إتمام الإنجاز؛ على الرغم من قدرتهم على الإجابة عن العديد من الأسئلة التي كانوا مضطرين إلى تركها تحت ضغط الوقت. وقد عبروا عن اعتقادهم أن أسئلة الاختبار لم تكن كلها بعيدة المنال، باستثناء الأسئلة الأخيرة لبعض التمارين؛ كتمرين الأعداد العقدية والحسابيات. ولمست أن جل التلاميذ كانوا متفائلين، وأن قليلا منهم لم يكونوا متفائلين جدا ولا متشائمين؛ بل قالوا ما معناه “يكون خير”.

من المعلوم أن المدة الزمنية المخصصة للاختبار الوطني لمادة الرياضيات هي 4 ساعات. ويتضمن اختبار هذه السنة خمسة تمارين؛ الأول والثاني حول التحليل (7.75 نقط + 2.25 نقط)، والثالث حول الأعداد العقدية (3,5 نقط)، والرابع حول الحسابيات (3 نقط)، والخامس والأخير حول البنيات الجبرية (3,5 نقط).

التمرين الأول:

يتضمن هذا التمرين ثلاثة أجزاء موزعة على 17 سؤالا؛ منها خمسة أسئلة منقطة على 0,25، وعشرة أسئلة منقطة على 0,5، وسؤالان منقطان على 0,75.

خصص الجزء الأول ( 1,5 نقط) لتأطير صيغ وحساب نهاية تستعمل تباعا في الأجزاء الموالية، وخصص الجزء الثاني (4 نقط) لدراسة دالة عددية وإنشاء تمثيلها المبياني، فيما خصص الجزء الثالث ( 2,25نقطة) لدراسة متتالية عددية مرتبطة بالدالة المدروسة في الجزء الثاني مع طرح سؤال أولي يتعلق بمبرهنة القيم الوسطية. في هذا الجزء تم توظيف مبرهنة التزايدات المنتهية والبرهان بالتراجع من أجل التوصل إلى متفاوتة تم توظيفها في حساب نهاية المتتالية.

هذا التمرين مهم جدا من ناحية حمولته المعرفية وشموليته لمعظم المعارف واستغلاله لمعظم المهارات التي يجب أن يتقنها تلميذ العلوم الرياضية؛ غير أن الملاحظة الأساسية التي أدلى بها معظم التلاميذ الذين تحدثنا معهم حول الموضوع هو أن هذا التمرين كان يتطلب وقتا مهما لإنجاز الأسئلة المتعلقة بالتأطيرات. وهذا ما أكده كذلك الأستاذ رشيد الشرقي، مدرس الرياضيات بالمدارس العلمية بتمارة. علما أن الأسئلة كانت في المستوى بالنسبة للتلاميذ الذين كان تحضيرهم جيدا.

التمرين الثاني:

هو تمرين جيد وفريد من نوعه يتمحور حول استغلال الدالة الأسية المعروفة من أجل حساب طول القوس المكون من جزء محدد من التمثيل المبياني لهذه الدالة. يتضمن هذا التمرين خمسة أسئلة؛ أربعة أسئلة منها منقطة على 0,5، وسؤال واحد منقط على 0,25. وتكمن أهمية هذا التمرين في إمكانية توظيف مهارات مختلفة وتنتمي إلى مجالات متباينة ويمكن إبرازها على الشكل التالي:

توظيف مبرهنة التزايدات المنتهية.

استعمال إحداثيات متتالية نقطية لحساب المسافة بين نقطتين متتاليتين.

تأطير المسافة السابقة بتوظيف نتيجة السؤال الأول حول التزايدات المنتهية.

تأطير متتالية “مجموع المسافات” بمتتاليتين على شكل Sommes de Riemann

توظيف الخاصية حول نهاية une somme de Riemann .

استعمال le théorème des gendarmes لحساب نهاية متتالية “مجموع المسافات” وبالتالي الحصول على طول القوس المذكور سابقا على شكل صيغة تكامل.

التمرين الثالث:

هو تمرين جيد حول الأعداد العقدية في المستوى المطلوب، ويحتوي على 8 أسئلة؛ منها سؤالان منقطان على 0,25، وستة أسئلة منقطة على 0,5. وطرح من خلال الأسئلة ما يلي:

أربعة أسئلة تدور حول الشكل الأسي والنسب المثلثية والعلاقة بينهما.

سؤالان حول المتتاليات العددية.

سؤالان حول النقط المستقيمية والمثلث قائم الزاوية.

التمرين الرابع:

هو تمرين رائع حول الحسابيات، في المستوى كما صرح بذلك بعض التلاميذ. ويحتوي على 8 أسئلة؛ منها أربعة أسئلة منقطة على 0,25، وأربعة أسئلة منقطة على 0,5. وطرح من خلال الأسئلة ما يلي:

خاصيات الأعداد الأولية.

مبرهنة Fermat .

مبرهنة Bezzout .

الأعداد الأولية فيمل بينها.

خاصية كلاسيكية متعلقة بمعاملات le triangle de Pascal (حالة الأعداد الأولية).

استنتاج حل معادلة طرحت في بداية التمرين.

التمرين الخامس:

هو تمرين عادي جدا حول البنيات الجبرية؛ غير أن أسئلته كانت مفصلة جدا بدون جدوى. ويحتوي على 12 سؤالا؛ منها عشرة أسئلة منقطة على 0,25، وسؤالان منقطان على 0,5. وطرح من خلال الأسئلة ما يلي:

الزمرة الجزئية sous groupe .

الفضاء المتجهي الجزئي sous espace vectoriel .

الحلقة التبادلية والواحدية anneau commutatif et unitaire .

تجانس حلقة anneau intègre .

الجسم le corps .

آراء السادة الأساتذة :

يتساءل الأستاذ رشيد الشرقي عن جدوى السؤالين الأول والثاني في تمرين الحسابيات بالنسبة للأسئلة الموالية، حيث يرى أنه كان من الأفضل التخلي عن هذين السؤالين؛ الشيء الذي يجعله أحسن ويُمَكن التلميذ من ربح النقط والوقت.

ويرى الأستاذ جابر من مدينة فاس أن هذا النقاش مطلوب من أجل تطوير عملنا كفاعلين تربويين في مجال تدريس مادة الرياضيات بالنسبة لشعبة العلوم الرياضية، حيث أدركنا جميعا منذ السنة الماضية وحتى التي قبلها أن نوعية المواضيع أخذت تكتسي طابعا أكثر التزامًا بالأطر المرجعية. وهذا لا يعاب عنها، لأنه المطلوب؛ ولكن الذي يعاب، حسب رأي الأستاذ جابر، هو عدم مواكبة هذا التغيير بإجراءات تربوية من طرف الوزارة الوصية على مستوى:

أولا: التوجيه الذي أصبح بدون فائدة تذكر، وخصوصا في الشعب العلمية المهمة؛ فتجد مثلا ثلثي تلاميذ قسم شعبة العلوم الرياضية ليست لديهم مواصفات تلميذ الشعبة والتي تمكنهم من مسايرة مضمون ومنهجية المقرر ونوعية تمارينه.

ثانيا: متابعة ميدانية من طرف هيئة التفتيش لسير وتنفيذ المقررات بكل المستويات، نظرا لارتباط بعضها ببعض ومراقبة مدى ملاءمة الفروض مع الأطر المرجعية ومقومات التقويم .

ثالثا: توفير مؤلفات مرجعية معتمدة من طرف الوزارة تحدد بشكل مضبوط تفاصيل المعارف المقدمة للتلاميذ…

أما بالنسبة لموضوع الرياضيات في شعبة العلوم الرياضية لهذه السنة، فقد كان حسب رأي الأستاذ جابر ملتزما بشكل كبير بالأطر المرجعية من حيث نوعية وطبيعة الأسئلة وتغطية المقرر؛ ولكنه يلاحظ على هذا الاختبار ما يلي:

شكل الاختبار نمطي من حيث الطرح (خمسة تمارين أو أربعة كل في جزء من المقرر)

طوله يؤثر سلبا على نفسية المترشح، وكان من الممكن تقليص عدد الأسئلة بأربعة أو خمسة دون المساس بأهدافه؛ وذلك بدمج بعض الأسئلة في بعضها أو إلغاء منها (الأول أو الثاني من التمرين الخامس)

ترتيب التمارين من حيث التدرج في الصعوبة؛ لأن غالب المرشحين يعمل حسب الترتيب الوارد في الموضوع، وأفضل أن يتبادلا التمرين الأول والخامس في الترتيب.

سلم التنقيط في بعض الأسئلة لم يوافق المجهود الذي يتطلبه الجواب، خصوصا في التمرين الخامس وفي تمارين أخرى كانت النقطة أكثر من اللازم.

ولكن على العموم، يقول الأستاذ جابر، كان موضوعا يلامس إلى حد كبير ما تتطلبه طبيعة الشعبة وما ينبغي أن يكون عليه. وهذا بلا شك سيجعل كثيرا من الأولياء يفكرون قبل أن يدفعوا بأبنائهم إلى السير في الشعبة وهم لا يمتلكون القدرات الكافية، وكذلك سيدفع كثيرا من الأساتذة إلى أن يكفوا عن التشجيع والزج بتلاميذهم فيها وهم يدركون أن ليست لهم القدرات الكافية لذلك.

ويرى السيد نصير، أستاذ مادة الرياضيات بمدينة تمارة، أن موضوع الرياضيات كان في المستوى المطلوب ويحتوي على العديد من المستجدات مع احترام تام للأطر المرجعية؛ الشيء الذي يجب أن يحفز التلاميذ على عدم الاقتصار على إنجاز الاختبارات السابقة فقط، بل يجب البحث عن كل المواضيع التي تعتمد على التفكير وليس التكرار.

ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أتعرض لبعض ما جاء في تدخلات بعض الأطر التربوية المعروفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي :

قال الأستاذ عبد الرحمان عشاق، وهو مفتش لمادة الرياضيات:

بداية، فالنقطة العددية الممنوحة خلال الامتحان تدخل ضمن التقويم الاجمالي الذي يهدف أساسا إلى إعطاء تقدير وترتيب للإنجاز وهي بذلك تبقى نسبية لكونها تسري على عموم المترشحين. فإذا حصل أن تراجعت ظاهرة النقط المرتفعة في مادة الرياضيات فذلك لن يؤثر حتما على ترتيب التلاميذ المجدين ولن يحرمهم من المنافسة على ولوج المدارس والجامعات والمعاهد… مناسبة القول هو ما يروج عن كون موضوع هذه السنة كذلك قد خرج عن المألوف أو ما بات يسمى بالنمطية، وهو ما حصل فعلا. هل النمطية مكسب يجب الحفاظ عليه ؟ بالقطع، لا… فكل المهتمين بشأن الرياضيات في بلادنا يشتكون من ذلك، ويرجعون أحد أسباب التدني في تحصيل المادة إلى طرق التقويم التي ساهمت في جعلها كمادة أساسها العقلانية وحل المسائل تبتعد عن ذلك لتصبح مادة للحفظ وتلقين التقنيات فقط.

ويقول الإطار التربوي الأستاذ منير الجوري أنه في هذه السنة ليس هناك امتحانات صعبة خارج نطاق المناهج المدرسية؛ لكن ببساطة كانت الأسئلة غير معتادة. لو كان الطلاب قد تدربوا على هذه الأسئلة وحفظوها، لكانوا قادرين على حلها بسهولة. الأسئلة التي كانوا يتوقعونها ويرونها في المتناول ليست سهلة، بل هي مكررة فقط. المشكلة هي أن أساليب التعليم لا تنمي قدرات التعامل مع تحديات تعليمية متنوعة، حيث يتوجب على المتعلم استخدام المعرفة والمفاهيم بتنوع وتغيير، والتحلي بالتفكير والتحليل والتوظيف والاستدلال بدلاً من مجرد تكرار المعلومات.

ويشير الأستاذ محمد الايباوي، وهو مفتش لمادة الرياضيات بتمارة، إلى أنه بعد استعراضه لنصوص التمارين المقترحة في اختبارات الرياضيات لهذه السنة لم يجد شيئًا غير اعتيادي في تجنيد القدرات المتوقعة في الإطارات المرجعية أو في محتوى التوجيهات التربوية لمادة الرياضيات ويعبر عن استيائه من تبعية بعض الأساليب التدريسية التقليدية لصياح فارغ وتدريس روتيني بدون قيمة.

يشدد الأستاذ على ضرورة تطبيق مبادئ التدريس النشط وتشجيع المشاركة الفعَّالة للطلاب في بناء المفاهيم وتنمية قدراتهم الذاتية ويشيد أيضًا بتحسين الاختبارات لتشمل مهارات تحليلية وتركيبية وإبداعية. يذكر الأستاذ محمد الايباوي أن التركيز يجب أن يكون على الاستفادة الفعلية من عملية التعلم بدلاً من التركيز الكامل على النقط ويوصي الطلاب بالاهتمام بالتحصيل الجاد، والتوازن بين القدرات المنهجية والتنظيمية، وممارسة الهوايات النظيفة بما في ذلك ممارسة الرياضة. الأستاذ الايباوي يشجع الطلاب على التعامل باحترام وتقدير مع معلميهم الذين يقدمون لهم التوجيه والدعم، ويشدد على ضرورة الابتعاد عن الدروس الخصوصية التي لا طائل من ورائها، ويعبر عن تمنياته بالتوفيق للطلاب في امتحاناتهم.

خلاصة

يبدو أن اختبار البكالوريا لمادة الرياضيات بشعبة العلوم الرياضية لهذه السنة 2023 مناسب جدا ومتوازن، حيث إنه يتضمن تمارين مهمة ومفيدة وذات قيمة علمية، ويتضمن العديد من الأسئلة التي يمكن للتلاميذ الإجابة عنها بشكل عادي وهناك أسئلة أخرى تتطلب مجهودا فكريا مهما؛ وهذا أمر طبيعي جدا لما يتعلق الأمر بالبكالوريا علوم رياضية.

وهكذا، يمكن القول إن هذا الاختبار لا يخلو من صعوبات؛ لكنه يعبر عن مستوى جيد يستحقه تلاميذ العلوم الرياضية الذين تمتعوا بالشجاعة والقدرة على الاستمرار في الشعبة دون اللجوء الى الاختيار السهل، وبالخصوص أولئك الذين بدلوا مجهودات كبيرة خلال التحضير يتناسب مع ما تتطلبه شعبة العلوم الرياضية من عمل جدي متواصل يعكس القيمة الحقيقية للبكالوريا في شعبة العلوم الرياضية.

الشكر موصول على المجهودات الجبارة التي تقوم بها اللجنة الوطنية لإعداد الاختبارات الوطنية، وعلى صبرها وتفانيها في العمل من أجل تطوير تدريس الرياضيات ببلادنا.. والشكر كذلك لكل الفاعلين التربويين، من أساتذة ومفتشين وإداريين، ولكل هؤلاء الذين لا يدخرون جهدا لإعداد التلاميذ للاستحقاق الوطنية… ونتمنى كل التوفيق لتلامذتنا.

(*) مفتش ممتاز لمادة الرياضيات سابقا

#تحليل #الاختبار #الوطني #لمادة #الرياضيات

زر الذهاب إلى الأعلى