مشاريع للنسيان

يعتبر امتلاك عقلية المشاريع الناجعة والاشتغال بها من المقومات الرئيسة للدولة الحديثة وللمجتمعات المتقدمة، حيث تنشط حركية البناء والتشييد وإقامة العمران، بما يعزز مكانة الإنسان المواطن، عبر تمكينه من كل الخدمات الأساسية والاستجابة لكافة حاجياته ومطالبه الضرورية.

إن اقتراح المشاريع الجادة والهادفة وإنجازها في آجالها المقررة والمعقولة، بناء على تعاقدات مضبوطة، مع الحرص على إتمامها وإكمالها بكل تفاصيلها وحيثياتها الصغيرة والكبيرة هذا هو ديدن المجتمعات المتقدمة والتي يهمها أن تكون متقدمة، وهذا بالضبط ما لا تفعله المجتمعات المتخلفة أو التي تريد أن تبقى متخلفة حين تتحول جل مشاريعها أو ما يسمى كذلك إلى إعاقات جديدة وإلى إشكالات إضافية.

ولنا أن نلاحظ هذا الكم الهائل من الأحاديث والبلاغات المختلفة حول مقترحات مشاريع في بلادنا، وهذا الكم الهائل من الادعاءات والتقولات بامتلاك مشاريع وبإنجازها من طرف جل الهيئات المعنية بإنجاز المشاريع.

ولنا أن نلاحظ بعدها هذا الصمت المخيف الذي يعقب كل هذه الأحاديث والذي يتحول مباشرة إلى اجتهادات عجيبة لتبرير الفشل والدفاع عن الإخفاق في الإنجاز، ما يعني أن علاقتنا بفكرة المشاريع وبأخلاق المشاريع تتطلب إصلاحا عاجلا وتحتاج إلى منطق جديد قوامه الصراحة والوضوح بما يخدم تقدمنا الذي نتحدث عنه والذي ندعيه.

تقتضي المشاريع، أولا، امتلاك عقلية اقتراحية وقدرة معقولة على المناقشة الجادة والمواطنة، بعيدا عن السياسوية المريضة المسكونة بالمواقع والمصالح والادعاءات الأنانية.

وتقتضي المشاريع، ثانيا، تقديم دراسات وافية ودقيقة حول نوعية المشروع، وما يتعلق به من تفاصيل تتولاها مكاتب دراسات وطنية تهمها خدمة هذا البلد لا الحصول على شيكات وتفويتات مشبوهة.

وتقتضي المشاريع، ثالثا، الحرص على إنجازها وإتمامها وإنهائها بكل عناصرها وحيثياتها وفي زمنها المحدد.

وتقتضي المشاريع، رابعا، ضمان استفادة كل المواطنات والمواطنين من خدماتها وامتيازاتها.

ثم تقتضي المشاريع، في النهاية، إعلان تفاصيلها أمام المواطنين والمواطنات وشكر القائمين عليها ومحاسبة المتخاذلين والغشاشين والمتلاعبين بالمال العام؛ هذا هو ديدن المتقدمين الذين نقضي جل أوقاتنا في إطرائهم والحديث عن محاسنهم.

ثمة أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة واضحة، بصدد علاقتنا بفكرة المشاريع؛ لماذا تخفق جل مشاريعنا التنموية، والمرتبطة بخدمة قضايا المواطن والمواطنة؟، لماذا يؤول أمرها، في الغالب الأعم، إما إلى التأجيل أو إلى التوقف أو إلى نقص مريع في الإنجاز، في أحسن الأحوال؟، هل نحتاج إلى تقديم أمثلة؛ تكفي الإشارة إلى النموذج التنموي الأخير وما رافقه من حماس وكلام وعواطف؛ هل المشاريع عندنا توجد لتتوقف أو لتتأجل أو لتظهر في أشكال شوهاء ولا تليق؛ هل هي مشاريع للنسيان؟ هل يتعلق الأمر بمسألة فصل السلط وتنازع الصلاحيات أو هو الاختباء وراء تنازع الصلاحيات؟.

لا وجود لأجوبة واضحة، عدا التخمين والتأويل، ويكفي التأمل في العبارات التالية: (تعدد المتدخلين، عدم حضور الرئيس، عدم اكتمال النصاب القانوني، الافتقار إلى السيولة المالية، تضارب المصالح، إشكالات إدارية…)… هذه عينة من الأجوبة التي يتلقاها بعض المواطنين والمواطنات، للرد على استفساراتهم المرتبطة بتوقف أو تأجيل أو عدم إنجاز مشروع معين؛ ما يفتح المجال لوابل من التخمينات والأحاديث الجانبية التي لا تزيد الأمر إلا غموضا.. مرة أخرى، هل هي مشاريع للنسيان.

#مشاريع #للنسيان

زر الذهاب إلى الأعلى