متى تصبح اللهجة الأمازيغية لغة علمية معاصرة؟

متى تصبح اللهجة الأمازيغية لغة علمية معاصرة؟

ورياغلي ربيعالأربعاء 12 أكتوبر 2022 – 04:06

إن المغرب حينما رسّم اللغة الأمازيغية دستوريا ونزّل ذلك بشكل عملي في الأنساق الإدارية يفهم أولئك الذين يبنون سلوكهم من خلال التغذي على النعرة العرقية التي أراد الاستعمار زرعها، على أن هذا الترسيم انتصار أو رائحة الانتصار، متخذين كتيار منهمك في الهدم بوعي أو دون وعي الإرادة المغربية السياسية كعدو -هنا لا أتكلم عن المكون الأمازيغي ككل- لا يحترم الهوية المغربية، لكن هذا الترسيم هو حكمة من الإرادة السياسية للمغرب بجميع مكوناته، حتى الأمازيغ أنفسهم، فهاته الحكمة تحترم التعدد الثقافي في البلد الذي يجب تأطيره في وعاء الأصالة، وقبل كل شيء شريعة الإسلام.

لعب الجهاز الإداري المكلف بالترسيم دورا مهما في التمهيد لنمذجة اللهجة وإخراجها كلغة ذات حروف وكلمات ومعاني، لكن السؤال المطروح بعد تكوين هاته اللغة كوسيلة للتواصل، متى تصبح هذه اللغة الأمازيغية ذات بعد علمي؟ فلا يجب أن نكتفي بتحويل اللهجة إلى لغة، يجب أن تصير وسيلة للتواصل والإبداع العلميين بجميع أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا تقتصر على أن تكون في اللوحات الإعلانية في المدن المغربية، والإشارية في الطرق السيارة والصفائح الإعلانية التي تحمل أسماء الوزارات والمؤسسات العمومية. ولنأخذ مثالا لذلك لهجة الأتراك التي أصبحت متداولة في الجامعات التركية، واللهجات الصينية واليابانية والهندية؛ فعبورها من التراث الشفهي إلى واقع سياسي واجتماعي واقتصادي ثم إلى الأنساق العلمية له دلالة؛ على أن وبالمثل اللغة الأمازيغية ممكن أن يكون لها بعد علمي خلاق.

يجب أن يفهم مستهلكو النعرات أن العمل على هذا المشروع أفيد عوض أن يكون الباعث في ذلك هو أن يقضوا مضجع المغاربة بكل مكوناتهم ويهددوا مشروع المغرب كأمه ناهضة؛ لذا يطرح سؤال آخر نفسه، كيف تذهب اللغة الأمازيغية بعد نمذجتها كلغة رسمية إلى الأنساق العلمية؟ هنا يجب التفكير مليا، فلا يجب الاكتفاء بالشكل، يجب أن يتم إنشاء بنك من المفاهيم العلمية المتداولة في القدم وحاليا، مصنفا إلى أبناك مشتقة حسب الحقول المعرفية، وترجمتها إلى الأمازيغية ولو اقتضى الأمر خلق كلمات أمازيغية جديدة بحمولة معنوية جديدة.

هنا يبدأ العمل وهنا الهندسة اللغوية تفرض نفسها، لأن التقدم العلمي لا يتوقف وكذلك تأقلم هاته اللغة معه يجب ألا يتوقف. ونأخذ مثالين: علوم الشريعة التي يجب أن تترجم إلى الأمازيغية ترجمة دقيقة، ولو اقتضى الأمر إحداث كلمات جديدة تحترم الاصطلاح اللغوي الديني، لأننا نعلم أن الوعاء الكلماتي للأمازيغية لا يتفوق على اللغة العربية، لذا يجب توفير كفايات في الهندسة اللغوية تكون لها حيازة علمية دقيقة تعمل على استحداث أو اشتقاق كلمات جديدة لتتكيف الأمازيغية كلغة مع مضمون الوحي الذي هو رافد كل العلوم لدى المسلمين، بدون لمس هيبة المصطلح الديني.

ونأخذ حقلا معرفيا آخر، مثل علوم الإحصاء؛ يجب على الأمازيغية أن تغزو هذا العلم وتعمل على إحداث كلمات جديدة تتوافق مع المفاهيم العلمية التي وصل لها الآن دون لمس الحمولة المعنوية لهاته المفاهيم، وهكذا يكون الأمر في جميع العلوم.

ويظهر من خلال هذا الطرح أن العمل على هذا النحو يتطلب فريقا علميا مبدعا خلاقا له من الكفايات ما يكفي ليسن سنة لغوية جديدة يكون لها الفضل في انبعاث المكون الثقافي الأمازيغي في تساكن لغوي مع العربية في المغرب وباقي اللغات في العالم، وأن يكون ملهما لباقي الدول التي لها التعدد اللهجوي نفسه في محتواها الاجتماعي والمشروع نفسه. ويتطلب هذا عملا دؤوبا يمكن أن يحتاج لجيل أو جيلين للتشكل المبدئي والتعايش الثقافي مع العربية؛ لذا وكما يقال يجب العمل على إيقاد شمعة عوض لعن الظلام، هذا كل ما في الأمر.

#متى #تصبح #اللهجة #الأمازيغية #لغة #علمية #معاصرة

زر الذهاب إلى الأعلى