صعود اليمين في إيطاليا يثير المخاوف من مواقف معادية للهجرة والصحراء

في سابقة هي الأولى من نوعها، أكدت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية في إيطاليا، التي دُعيَ إلى صناديق الاقتراع فيها أكثر من 50 مليون إيطالي للتصويت، فوز ائتلاف اليمين، الذي يضم أحزاب “أخوة إيطاليا” و”الرابطة” و”فورزا إيطاليا”، بعد حصوله على 44.1 في المائة من الأصوات.

وفي مشهد سياسي إيطالي ظل حبيس الاضطرابات على مدار السنوات الماضية، من المتوقع أن يستغرق مسار تشكيل الحكومة الجديدة أسابيع عقب انتهاء الانتخابات، قبل أن يُتوج بانعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد وتشكيل الجهاز الحكومي وتنصيب أعضائه.

ومقابل الصعود اللافت لأحزاب اليمين الإيطالي، تراجع ائتلاف اليسار، الذي تجاوز بالكاد إجمالا 26 في المائة من الأصوات.

وبعد فرز جميع بطائق الاقتراع، وبصفتها زعيمة أقوى حزب (أخوة إيطاليا)، الذي حصد لوحده 26.2 في المائة من الأصوات، تصبح الطريق معبدة أمام ميلوني لتصير رئيسة الوزراء الجديدة، كما يُتوقع أن تقود الحكومة المستقبلية كأول امرأة ترأس الوزراء في إيطاليا.

وباستحضار مساراته وخطاباته التي سبقت فوزه الانتخابي، يثير صعود أحزاب اليمين الإيطالي موجة من الخوف في الأوساط السياسية الإيطالية، وأيضا في دول المحيط الإقليمي والجوار، من مواقف متطرفة أو متشددة قد تذهب في اتجاه تضييق الخناق على المهاجرين وقضاياهم، لاسيما الجاليات المسلمة؛ فضلا عن مخاوف وشكوك تثيرها “النزوعات الفاشية” لدى ميلوني من التأثير على الموقف الرسمي الإيطالي من نزاع الصحراء المغربية.

التموقع يغيّر طبيعة الخطاب

زهير الواسيني، الإعلامي المغربي بهيئة التلفزيون الإيطالي “RAI”، سجل أن “ميلوني كان معروفا عنها سابقا تبنيها مواقف أقرب إلى الطرح الجزائري، فضلا عن تأييدها بشكل قوي لجبهة البوليساريو الانفصالية”؛ قبل أن يستدرك: “يجب أن نميّز بين ميلوني كشخصية تتقدم للانتخابات وبين رئيسة الحكومة في دولة مؤسسات كإيطاليا، وتم بناء ديمقراطيتها نتيجة محاربة الفاشية وتمظهراتها”.

وأضاف الواسيني، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أنها “ضمن النطاق الرسمي، فإنها ستبحث عن خلق توازنات في العلاقة مع مختلف الأطراف في شمال إفريقيا، لاسيما المغرب والجزائر كقُطبَيْن مغاربيَيْن مؤثرين”؛ لافتا إلى أنه في حال تنصيبها رئيسة للوزراء فإنه “مِن الصعب جدا أن يتغيّر الموقف الرسمي الإيطالي من قضية الصحراء المغربية؛ لأن روما واعية ومدركة أن بوليساريو مجرد أداة في يد النظام الجزائري”.

وسار الإعلامي المغربي المقيم في إيطاليا إلى طمأنة الرأي العام المغربي قائلا: “السياسة الخارجية الإيطالية مختبر حقيقي لكل ما هو مصلحي، كما أنها لا تتأثر بالنزوات الخارجية ولا رغبات أشخاص من الداخل، بل تحكمُها المصالح”؛ في حين قال فابريزيو سيوكا، الأستاذ الباحث بجامعة “لا سابينزا” في روما، في تصريح لهسبريس: “في ما يتعلق بقضية الصحراء ليس من الممكن في الوقت الحالي تقديم إجابات دقيقة، لكني أعتقد أن ميلوني ستواصل على مسار التقليد الطويل من العلاقات الجيدة التي تربط إيطاليا بالمملكة المغربية”.

“الجزائر جد مهمة لإيطاليا، خاصة بعدما أرخت أزمة طاقية كبيرة بظلالها على القارة الأوروبية”، يضيف الواسيني ضمن تعليقه، مشيرا إلى كون “المغرب يظل بالأهمية نفسها لدى روما في قضايا أخرى، ونوعية العلاقات التي على الرباط تقويتُها وبناء جسور أكثر متانة مع إيطاليا إذا أرادت مستقبلا أن يصبح الموقف الإيطالي أكثر دعما في قضية الصحراء”.

الواسيني أردف بأنه “في الواقع وجب الإقرار والاعتراف بأن العلاقات الجزائرية الإيطالية هي -حاليا- في أقوى حالاتها، وأساسُها الغاز والطاقة”؛ إلا أن ذلك لا يمنع بحسب الإعلامي المغربي من القول إن “إيطاليا لن تغامر بمواقف خارج التقليد الذي دأبت عليه”، متوقعا عدم خروج ميلوني عن النطاق التقليدي في التعامل مع القضية.

الهجرة.. الورقة الأسهل بيد “اليمين”

وتعليقاً على ما قد يشكله صعود ميلوني وائتلاف أحزاب اليمين إلى سدة الحكومة في إيطاليا من تهديد أو عداء للمهاجرين أو قضاياهم، أو استغلال الهجرة كورقة ضغط ضدهم، وصف الواسيني قضايا الهجرة بـ”الورقة الأسهل والوحيدة بيد اليمين، التي لعب عليها قصد استمالة أصوات فئة كبيرة من الناخبين، مازالت ترى في ذلك استجابة لرغباتها المضادة للمهاجرين بإيطاليا”.

وتابع المتحدث ذاته بالقول إنه “خطاب شعبوي غير مفيد في ظل فوارق اجتماعية ما فتئت تتسع في البلاد، وسياق اقتصادي صعب لم يسجل نموا كبيرا منذ 2005″؛ مشددا على ضرورة الانتظار “حتى تسلّمهم زمام الحكم، لأن ورقة الهجرة قد يتم استخدامها لاحقا”، وزاد: “ميلوني وحزبها يحتاجون، أولا، طمأنة الرأي العام الأوروبي”.

قضايا الهوية

المتحدث ذاته لفت إلى أن “حزب ميلوني طالما كان في صف الدفاع عن هوية مسيحية لأوروبا وإيطاليا، متناسيا أن الدستور الإيطالي يقر لائكية الدولة”، بينما يظل الإسلام كدين “غير معترف به رسميا في إيطاليا إلى حدود الآن”، وأضاف أن “ميلوني ستسعى جاهدة إلى التنصل من تاريخ فاشي أرخى بثقله طويلا على إيطاليا؛ إلا أن التاريخ تغيّر”.

وبالنسبة للتأثير على المهاجرين، أورد فابريزيو سيوكا، أستاذ باحث مختص في قضايا الهجرة، أن “ميلوني وعدت في حملتها الانتخابية بوقف الهجرة غير النظامية، مقترحة فرض حصار بحري في البحر الأبيض المتوسط”؛ معتبرا أنه بالنظر إلى التداعيات على الأجانب الذين يعيشون في إيطاليا فإنه “من السابق لأوانه إعطاء إجابة، لكن حزب ميلوني Fratelli d’Italia يشدد كثيرا، ضمن أدبياته وخطابه، على الهوية الإيطالية وتمجيدها”.

وختم سيوكا تصريحه لهسبريس بالقول: “قبل الانتخابات كان هناك حديث عن إصلاح المواطنة، لكنني لا أعتقد أن ميلوني سترغب في الاستمرار في هذا الإصلاح، وهو ما لن يُشكل أي تغيير فعلي على القانون المعمول به حاليا”.

#صعود #اليمين #في #إيطاليا #يثير #المخاوف #من #مواقف #معادية #للهجرة #والصحراء

زر الذهاب إلى الأعلى