رغم أنها “مبادرة فردية” من النائب البرلماني عن الحزب الشيوعي جون بول لوكوك، الذي خصص استقبالا لقيادات انفصالية من جبهة “البوليساريو” بمقر الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، فقد أثارت الواقعة جدلا سياسيا وصدى إعلاميا واسعا بشأن مدى “اختراق” الطرح الانفصالي لأسوار المؤسسة التشريعية في فرنسا، مكررة تساؤلات عن “فتور وجمود العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس”.
بدا ذلك جليا مع صور منشورة تم تداولها وثقت للحدث المستفز لاستقبال الانفصاليَيْن سلطانة خيا ومحمد سيداتي (مع حملهما عَلَم “الجمهورية الوهمية”) داخل أسوار البرلمان بفرنسا من قبل جون بول لوكوك؛ في ظل مراهنة “الجبهة” على حشد مواقف أطياف سياسية فرنسية بعينها، أو تجييشها ضد مصالح الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
“خطوة يتيمة دون أثر”
حدّد حسن بلوان، الباحث في العلاقات الدولية، سببَين رئيسيين يجعلان “زيارة بعض عناصر جبهة البوليساريو لمبنى البرلمان الفرنسي لا تتخذ طابعا رسميا كما تناولت مجموعة من المنابر الإعلامية المناوئة للمغرب”، مشيرا إلى أن السبب الأول يتمثل في كون “البرلمان الفرنسي في عطلة تشريعية، مما يجعل هذه الزيارة لا تُرتب أي أثر رسمي أو بروتوكولي”. أما الثاني فيكمن في كون “الزيارة فردية وتمت بتنسيق مع أحد نواب الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي لا يشكل ثقلا كبيرا في المؤسسة التشريعية الفرنسية”.
وتبعا لذلك، يستطرد الباحث ذاته في تصريح لجريدة هسبريس، “يمكن الحديث عن زيارة لمبنى البرلمان الفرنسي وأخذ صور تذكارية كمحاولة من الجزائر تسويقها على أنها نصر دبلوماسي كبير في فرنسا، باعتبار الأخيرة حليفا مهما للمغرب، والداعم التقليدي له في قضية الصحراء المغربية، لاسيما على صعيد مجلس الأمن”.
لكن في الوقت نفسه، يسجل بلوان، ترسل هذه “الصور التذكارية من مبنى البرلمان رسائل فرنسية سلبية، لاسيما في ظل الأزمة الصامتة التي تمر بها العلاقات المغربية الفرنسية. كما أنها تأتي بعد أيام من زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر في أول زيارة خارجية مغاربياً، شهدت توقيع مجموعة من الاتفاقيات والتفاهمات شملت ميادين متعددة”.
“إن احتفاء الصحافة الجزائرية بهذه الزيارة اليتيمة نابع من اقتناع الأوساط الجزائرية بأن النخبة والمؤسسات في فرنسا تساند وتقف إلى جانب المصالح المغربية، باعتبار المملكة شريكا استراتيجيا موثوقا به، وبوابة حصرية لاستعادة النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية”، يقول أستاذ العلاقات الدولية، مضيفا “في حين تقلل باريس من التقارب الفرنسي الجزائري، الذي تصفه النخبة الفرنسية بـ”المصالحة الصعبة أو المستحيلة”، على اعتبار أن النظام الجزائري لا يمكن أن يتخلى عن ريع الذاكرة”.
زيارة ماكرون “قد تبدد الغيوم”
من هذا المنطلق، يستطرد الباحث ذاته قائلا: “يمكن أن نقلل من تأثير الزيارة وتداعياتها على العلاقات المغربية الفرنسية الاستراتيجية، التي لا يمكن أن تهزها مثل هذه الأحداث العابرة التي تأقلم معها المغرب، خاصة إذا كان وراءها اليسار أو أقصى اليسار الفرنسي”.
كما أن “المملكة المغربية تمتلك مجموعة من أوراق الضغط لإعادة الموقف الفرنسي إلى التوازن”، يضيف بلوان، أبرزها “العلاقات المتميزة مع المؤسسات والنخب الفرنسية، بالإضافة إلى أن المغرب بفضل سياسته الواقعية يعتبر الشريك الموثوق وذا المصداقية في الأوساط الفرنسية، فضلا عن حجم المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية المشتركة بين البلدين”.
وختم الأكاديمي ذاته تصريحه معتقدا أن “الزيارة المقبلة لإيمانويل ماكرون إلى المغرب إنْ تمت في أكتوبر ستبدد الكثير من الغيوم في سماء العلاقات بين البلدين، مما سيحطم جميع الأحلام الانفصالية في النفاذ إلى المؤسسات والنخب الحاكمة في فرنسا، التي توصف دائما بأنها قريبة من المغرب ومصالحه العليا”.
اللعب على صراعات الجوار
ثمة كثير من المؤشرات التي تبرز أن “العلاقات المغربية الفرنسية ليست على ما يرام، خصوصا مع تواتر مواقف صادرة عن الجانب الفرنسي في الآونة الأخيرة”، هكذا استهل الدكتور إدريس لكريني، مدير مختبر تحليل الأزمات والسياسات في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، تصريحه لهسبريس.
وأضاف أن “فرنسا بيّنت، اليوم، بشكل واضح أنها مازالت تتعامل مع المغرب ومجموعة من دول إفريقيا بمنطق واقعي تستحضر فيه الربح من جانب واحد، مع استحكام النظرة الاستعلائية لمستعمَراتها السابقة”.
وأثار أستاذ العلاقات الدولية الانتباه إلى أن “على الفرنسيين أن يستوعبوا أن هناك متغيرات كبيرة حدثت في المنطقة المغاربية، لاسيما في المغرب، مما يعكس تنامي الرفض للتواجد الفرنسي في مالي ومنطقة الساحل، مع بروز نخب جديدة مؤمنة بضرورة تعزيز اختياراتها بمنطق سيادي ويلبي مصالحها بشكل مستقل تماما عن التأثيرات الخارجية”.
الجامعي ذاته فسر ما تقوم به باريس حاليا بأنه ليس سوى “محاولة استغلال الصراعات القائمة في المنطقة المغاربية بالصورة التي تُحقق لها مصالح آنية”، مشيرا إلى أنها “ستظل تتأرجح- كما كانت في السابق- بين الجزائر تارة والمغرب تارة أخرى، ضاربة بذلك كل الإرث التاريخي للعلاقات بين المغرب وفرنسا”.
وعاد لكريني إلى خلفيات هذه الأزمة الصامتة، التي قال إنها “بدأت تدريجيا مع تقييد الحصول على التأشيرات المغاربية بشكل عام، وتجاه المغاربة بشكل خاص؛ كما لاحظنا الموقف الضبابي لفرنسا من قضية الوحدة الترابية”.
وخلص الخبير في العلاقات الدولية إلى “استمرار فرنسا في معاكسة المغرب رغم الخطاب الملكي الأخير في غشت، الذي أكد بوضوح أن ملف الصحراء عامل أساس ومحدد للسياسة الخارجية المغربية”؛ لافتا الانتباه إلى أن “المغرب عبر تعزيز حضوره الوازن إفريقيا، وهو ما أزعج باريس كثيرا، أضحى واعياً باللعب الفرنسي على صراعات الجوار المغاربي، مما دفعه نحو تبني تنويع الشركاء، مع إصرار الرباط على خروج الدول الصديقة من المنطقة الرمادية”.
#خبراء #خطوة #البوليساريو #في #فرنسا #دون #أثر. #وباريس #تستغل #الصراعات #بالمنطقة